الاثنين، 30 أبريل 2018

القيم الإسلامية ومعايير المحاسبة والمراجعة الدولية:تكامل وانسجام أم تعارض واختلاف


القيم الإسلامية ومعايير المحاسبة والمراجعة الدولية:تكامل وانسجام أم تعارض واختلاف
حماده السعيد المعصراوى
باحث دكتوراه في مجال المحاسبة 
ملاحظه هذا المقال منشور فى مجله الاقتصاد الاسلامى العالمية العدد 71
https://www.researchgate.net/publication/328462518_alqym_alaslamyt_wmayyr_almhasbt_walmrajt_aldwlyttkaml_wansjam_am_tard_wakhtlaf

 مقدمة

 إن جوهر الاختلاف بين الفكر الاقتصادي العالمي والفكر الاقتصادي القائم على أساس إسلامي هو أن الاقتصاد العالمي سواء الرأسمالي أو الاشتراكي يقوم على مبدأ العلمانية وفصل الدين عن الشئون الاقتصادية في حين أن الفكر الاقتصاد القائم على أساس إسلامي يرتكز في منطلقاتة ومبادئه ومعاملاتها على الدين الإسلامي مع الأخذ في الاعتبار أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم تحرم . ويلعب تأثير  مصدر تمويل المؤسسات الدينية دور كبير في قدرتها في التأثير على مجريات الأمور في البلدان المختلفة ، ففي حين يأتي تمويل المؤسسات الدينية المسحية واليهودية من التبرعات والعشور وغيرها من إتباع تلك الديانات، فان تمويل المؤسسات الدينية الإسلامية لعقود كثيرة وربما لقرون يأتي من خلال السلطات الحاكمة ويعتبر هذا التمويل الأبوي من أسباب عدم انتشار الديمقراطية في الشرق الأوسط واضعف من تأثير المؤسسات الإسلامية على التطورات المتلاحقة في المحاسبة والمراجعة (Laughlin,1988).
   إن لكل مجتمع مدرسة فكرية ينهل منها ويستمد سلوكه من مفاهيمها ومبادئها ، وبما أن علم المحاسبة من العلوم الاجتماعية فهو أذن بحاجة إلى تطوير أساسياته بشكل ثابت لنتمكن من اشتقاق المعايير والقواعد التي تحكم عمل المحاسبين في المجتمع ، فقد وردت كلمة المحاسبة ومشتقاتها في القران الكريم أكثر من تسعين مرة (سامر قنطقجى،2003)ويمثل الدين جوهر الثقافة وأهم عناصرها، فالمعتقدات الدينية تلعب دورا هاما في التكوين الثقافي للمجتمع ،حيث تنعكس بوضوح على سلوك واتجاهات أفراد المجتمع، لا سيما فيما يقبلونه وما يرفضون عمله . والديانة كمتغير ثقافي يقصد بها مدى التزام المجتمع بتعاليم الديانة التي ينتسب إليها غالبية أفراد هذا المجتمع(ممدوح الرشيدي،2006).وتعمل الثقافة والدين على توحيد المعتقدات وجعلها تتحرك من قيم داخل البشر إلى إجراءات خارجية تؤثر على كل شئ حتى القرارات اليومية وبالتالي فان المحاسبة تتأثر بالقيم الدينية وقيم ومعتقدات المحاسبين المهنيين(Moid,2016).
ان تطوير ممارسة المحاسبة في المجتمع الإسلامي يعكس الإسلام كقاعدة شاملة للحياة الروحية والمادية. وقد تم توثيق هذه التطورات والممارسات من قبل عدد من العلماء المسلمين في وقت مبكر عام 768م في العديد من الكتب المطبوعة والمكتوبة بخط اليد. اقترب العلماء في وقت مبكر إلى 10 من الممارسات المحاسبية في الدولة إلاسلامية من مجموعة متنوعة من وجهات النظر. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن "مصطلحي المحاسبة والمحاسب لم تستخدم في المراحل الأولى والمتوسطة من الدولة الإسلامية والتاريخ الدقيق لهذه المصطلحات قيد الاستخدام غير معروف ولكن ربما يمكن أن يعزى إلى تأثير الاستعمار وإدخال الثقافة الغربية في القرن التاسع عشر.لكن كان يستخدم ألفاظ مثل الكاتب أو كتاب المال والحسبة هي العناوين المشتركة للمحاسب وكاتب الحسابات. واستخدمت هذه العناوين بالتبادل في أجزاء مختلفة من الدولة الإسلامية (Zaid, 2004).وهناك العديد من العوامل التي تبرز  الحاجة لمعايير محاسبية تنسجم مع الاقتصاد الإسلامي منها:
1-  عوامل جذب: تتمثل في أنواع البيوع التي تنفرد بها الشريعة الإسلامية فضلا عن الدافع الايمانى الذي يتمتع بها عناصر المجتمع الإسلامي.
2-  عوامل الدفع: يتمثل في قصور المحاسبة التقليدية عن مقابلة المتطلبات الشرعية للمجتمع الإسلامي كما أن المعلومات والبيانات المحاسبية الناتجة عن تطبيقات جزء من المحاسبة التقليدية تهم مؤسسات غير إسلامية (سامر قنطقجى،2003).
لكن على الجانب الأخر  فان "إدوارد سعيد" يعرب عن شكوكه حول تطبيق التسمية "الإسلامية" على ظواهر مختلفة، مثل الحرب والفن وتخطيط المدن، وسأل عما إذا كان هناك فكرة متماسكة، على سبيل المثال، حرب إسلامية متميزة إلى حد كبير عن الحرب الغربية. وبالمثل يمكن القول بأنه لا توجد محاسبة غربية ومحاسبة إسلامية ولكن المحاسبة. تختلف الممارسات المحاسبية من منطقة إلى أخرى بسبب العوامل التاريخية والقانونية والدينية والثقافية، كما أن الابتكارات العلمية المختلفة أكثر شعبية في بلدان مختلفة لأسباب تاريخية وثقافية ( Said ,2003, p. 305).
وقد بذلت جهود كبيرة لوضع معايير محاسبية موحدة عالميا ، فتوفيق المعايير المحاسبية ستؤدي إلى إيجاد أسواق مالية أكثر كفاءة وترابطا، وتحسين تخصيص الموارد، وتخفيض تكاليف المعاملات.وفي الوقت الراهن تعد مبادئ المحاسبة المقبولة عموما في الولايات المتحدة FASB ومعايير المحاسبة الدولية IASB/IFRS هما أهم المعايير التي أثرت في تطور معايير المحاسبة حول العالم فما هو تأثير الدين على المجموعتين من المعايير؟وهل تتوافق وتتكامل القيم الإسلامية مع معايير المحاسبة والمراجعة الدولية أم تتعارض معها؟ وسيحاول الباحث الإجابة على الأسئلة السابقة من خلال مناقشة أهم التناقضات بين القيم الإسلامية ومعايير المحاسبة والمراجعة والرد عليها في نفس الوقت وصولا إلى خلاصة رأى الباحث.
أولا: اختلاف القيم والعوامل الثقافية التي بنيت عليها المعايير الدولية عن القيم الإسلامية
  المحاسبة علم اجتماعي يتأثر بالبيئة التي يوجد فيها لذلك يجب أن تكون أهدافها ومفاهيمها ومعاييرها منسجمة ومعبرة عن تلك البيئة وانعكاساتها. وتشمل البيئة جوانب شرعية واقتصادية واجتماعية(سامر قنطقجى،2003) فلكي تكون معايير المحاسبة مفيدة حقا يجب أن تأخذ في الاعتبار المناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي ستستخدم فيه، وهذه عوامل تختلف بين الأمم. وقد أولت الدراسات المحاسبية الدولية اهتماما كبيرا لتأثير الثقافة على السياسة المحاسبية والممارسة ومنها (Hofstede, 1983; Gray, 1988). ففي نهاية الثمانينات من القرن الماضي برزت الثقافة كأحد أهم العوامل البيئية المؤثرة على المحاسبة ، وفي هذا الشأن حدد Hofstede  أربع أبعاد تقوم عليها أي ثقافة تتمثل في:1- الفردية مقابل الجماعية (أي الأهمية التي يعطيها الفرد لمصلحته الشخصية مقارنة مع المصلحة الجماعية للمجموعة التي ينتمي إليها)، 2- فروقات السلطة (أي الطريقة التي يتعامل بها أفراد المجتمع مع الفروق الموجودة بينهم فيما يتعلق بعد المساواة في السلطة أو القوة الموزعة بينهم)3- درجة تجنب عدم التأكد (أي الدرجـة التي يشعـر فيها أفراد المجتمع بالارتياح لحالات الغموض وعـدم التأكـد)4- القيم المادية مقابل القيم المعنوية.
فلقد وضعت معايير المحاسبة والمراجعة الدولية من قبل منظمات دولية مثل مجلس معايير المحاسبة الأمريكيFASB ومجلس معايير المحاسبة الدولي IASB وهى منظمات دولية غير إسلامية ينتمي أعضائها إلى ثقافة دولية علمانية أو ديانات غير الإسلام لدرجة أن المنظمة الدولية  لإعداد التقارير المالية IFRSF كانت لا تحتوى في كل تشكيلاتها من مجلس الأمناء ومجلس الرقابة ومجلس المعايير ولجنة التفسيرات على اى أعضاء مسلمين حتى عام 2013 حين تم تعيين الدكتور عبدا لرحمن إبراهيم الحميد عضواً عن المملكة السعودية في مجلس أمناء مؤسسة معايير المحاسبة المالية الدولية، وفى عام 2014 اعتمد مجلس معايير المحاسبة الدولية IASB عضوية السعودي / أحمد بن محمد الشنيبر في مجموعة تطبيق المعيار الدولي للتقرير المالي للمنشآت الصغيرة والمتوسطة لمدة سنتين،والجدول التالي يوضح العلاقة بين الدين الإسلامي و الأبعاد الثقافية.
القيم المجتمعية
متغيرات إعداد المعايير الدولية
المتغيرات البيئية  للثقافة الإسلامية
الفردية مقابل الجماعية
المستوى المرتفع من الفردية
الدين الإسلامي لا يعارض تحقيق المصلحة الشخصية للفرد، ولكن في إطار عدم الضرر بالمصلحة الجماعية وفق القاعدة الشرعية لا ضرر ولا ضرار" اى أن المجتمعات التي تتسم بالتمسك والالتزام بتعاليم الدين تفضل الجماعية في الأساس ولا تعارض الفردية إلا في حاله إضرارها بالآخرين.   
التباين الكبير مقابل الصغير في السلطة
التفاوت الصغير في السلطة
يقر الإسلام بتفويض السلطة استنادا إلى خاصية الاستخلاف والأمانة، حيث تقوم السلطة الأعلى بتفويض بعض مهامها إلى مستوى تالي مع مراعاة مجموعه من القواعد والإرشادات طبقا للأيه الكريمة : ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾. [سورة الشورى الآية: 38]  اى أن المجتمعات ذات الالتزام الديني تتسم بتباين صغير في السلطة.
التجنب القوى مقابل التجنب الضعيف لعدم التأكد
التجنب الضعيف لعدم التأكد
يقضى الإسلام بالاحتياط للأحداث المستقبلية وما يحيط بها من غموض، لا سيما في حاله عدم وجود مؤشرات تؤكد حدوثها، فالأساس التشريعي يهدف إلى حماية الفرد من الوقوع في الخطأ أو أن يصيبه ضرر. قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) ﴾. ( سورة الحجرات) اى أن المجتمعات ذات الالتزام الديني تميل نحو التجنب القوى لعدم التأكد
القيم المادية مقابل القيم المعنوية
القيم المادية


(محمد العسيلي، 2008)
يميل الإسلام نحو الوسطية لذلك فالالتزام بتعاليم الدين يحدث حاله من التوازن بين القيم المادية والمعنوية، فالمعاملات بين الناس لا يحكمها فقط إطار القيم المادية بل أيضا القيم المعنوية. فالالتزام بتعاليم الدين يجعل المؤمن يحصل على أجره في الدنيا والآخرة ، يقول الله تعالى في سوره الإسراء نَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9        (ممدوح الرشيدي،2006 )
ويري الباحث أن القيم الإسلامية تتعارض في جزء منها مع المتغيرات التي أسست عليها معايير المحاسبة الدولية، لكن في نفس الوقت هل القيم التي من المفروض تكون ناتجة من تأثير الدين الإسلامي موجودة في اى دوله إسلامية الآن؟ وفى حاله وجودها هل موجودة بصوره كلية أم جزئية؟
ثانيا:قيام المعايير الدولية على افتراضات ومبادئ تتعارض مع القيم الإسلامية
  تشمل الاختلافات في الثقافات الوطنية التي اعتبرت مؤثرة في أساليب المحاسبة في الدول هيكل مهنة المحاسبة في البلد، وطبيعة منظمات الأعمال التجارية الأصلية، ومستويات الملكية العامة والخاصة، واستقرار أسعار الصرف، والمستويات والسياسات التعليمية، ومعدل والنمو الاقتصادي، ونضج النظام القانوني (Hamid et al., 1993).  ومن المهم أن نلاحظ أن هذه الاختلافات الثقافية تقتصر جميعها داخل الحدود الوطنية. في حين أن هناك تأثير للاختلافات الثقافية تتجاوز الحدود الوطنية. فالدين هو أحد الاختلافات الثقافية التي تتجاوز الحدود الوطنية ولها أيضا تأثير كبير على الطريقة التي يتم بها العمل المحاسبي.أن تأثير الدين على المحاسبة حقيقة غالبا ما يتم تجاهلها، فليس من المستغرب أن نادرا ما يتم دمج قضايا الإيمان والمحاسبة ويبدو أن المجتمع يفترض أن المعايير المحاسبية هي جامدة ومحصنه من التأثير الديني(White,2004) .
 فالقانون الإسلامي يؤثر على سلوك الشركات بطريقة لا تستوعب تلقائيا من قبل الممارسات المحاسبية الأنجلو أمريكية. والعديد من الممارسات المحاسبية الغربية تعتمد علي افتراضات تتعارض مع مبادئ الإسلام(Hamid et al., 1993).وفي الواقع فان المعايير المحاسبية ليست في مأمن من التأثير الديني.كما أن حقيقة أن التنسيق المحاسبي يبدو يركز بشكل أساسي على جعل النظم المحاسبية العالمية منسجمة مع المعايير الدولية للمحاسبة (التي تستند إلى المعايير الغربية التى تستند علي التقاليد والقيم اليهودية المسيحية ) والتي تؤثر على المعايير المحاسبية، ولكنها قد لا تستوعب الديانات الأخرى، مثل الإسلام(White,2004).  والجدول التالي يلخص أهم الاختلافات بين نظم المحاسبة الإسلامية ونظم المحاسبة الغربية (Baydoun& Willett, 2000)
الخصائص
نظم المحاسبة الغربية
نظم المحاسبة الإسلامية
المنظور الفلسفي
Economic Rationalism العقلانية الاقتصادية
Unity of God وحدانية الله
المبادئ
العلمانية Secular والفردية Individualistic وتعظيم الربح البقاء للأصلح Survival of Fittest العمليات Process

متدين Religious شعبية Communal  ربح معقول Reasonable profit حق الملكية Equity
المعايير
تستند الى القانون التجاري الحديث Based upon modern commercial law والإفصاح المحدود Limited Disclosure والمسئولية الشخصية Personal Accountability
تستند إلى القانون الأخلاقي المنشئ في القرآن الكريم الإفصاح الكامل المساءلة العامة Public Accountability
  
لكن في المقابل فان المدقق يظهر له أن هناك مفاهيم خاطئة حول الافتراضات الكامنة وراء "المحاسبة التقليدية". فقد حاول باحثو المحاسبة الإسلامية تحقيق ربح معقول بدلا من تعظيم الربح، ولكنهم لم يحددوا أبدا ما هو الربح المعقول. وفي كثير من البلدان، عندما حدد الحد الأقصى لعائد الاستثمار للاحتكارات الطبيعية، تبين أن الشركات تفتقر إلى الحوافز للابتكار، وأن الإدارة كانت تستهلك أرباحا زائدة في شكل امتيازات والحل لا يبتعد عن مبدأ تعظيم الأرباح، بل يضع آليات لإعادة توزيع الأرباح (الزكاة مثالا) ويشجع على زيادة المنافسة في السوق، مما يكفل الأرباح العادية بدلا من الأرباح غير العادية. ومن ثم  فإن إهمال المحاسبة الإسلامية في البلدان الإسلامية يمكن أن يعزى إلى ان  المحاسبة الإسلامية لا تلبي احتياجات المستخدمين بدلا  التبعية الاقتصادية(Velayutham,2014)   وفى منتصف 1980 قدم Edward freeman مفهوم أصحاب المصالح وفى عام 1984 ظهر كتاب Strategic management:stakeholder approach الذي دعي إلى إعادة النظر إلى الشركة من خلال ما يعرف بأصحاب المصالح ، ويعرف أصحاب المصالح بأنهم مجموعات ضرورية لبقاء ونجاح الشركة في تحقيق أهدافها، فبدلا من هدف تعظيم الربح أو تعظيم القيمة للمساهمين أصبح الهدف تحقيق ربح مرضي لكل أصحاب المصالح.
كما أن قول   (Baydoun & Willett,  2000)إن ممارسات الإفصاح التقليدية القائمة على مفهوم "المساءلة الشخصية" تؤدي إلى الإفصاح المحدود، في حين أن ممارسات الإفصاح القائمة على المتطلبات الإسلامية ستؤدي إلى الإفصاح الكامل عن المعلومات المالية.وأن التركيز في الإسلام على وحدة الله  والاهتمام بالمجتمع والبيئة يتطلب شكلا من أشكال المساءلة الاجتماعية بدلا من شكل المساءلة الشخصية التي وجدت في المجتمعات الغربية.  هو رأى يتعارض مع جميع الإصدارات من المهنة التي تتطلب الإفصاح الكامل. ومرة أخرى، يتعين على المرء أن يميز المتطلبات المعيارية للكشف الكامل مع متطلبات الإفصاح المحددة في المعايير المحاسبية، وهو شكل من أشكال التنظيم الذي يسعى إلى وضع معايير للإفصاح الأدنى(Velayutham,2014).ويري الباحث أن كثير من الاختلافات بين القيم الإسلامية ومعايير المحاسبة ترجع في معظمها إلى الإصدارات الأولى من المعايير الدولية  واعتمادها على بعض الفروض والمبادئ مثل مبدأ التكلفة التاريخية الذي يتعارض مع القيم الإسلامية وبالنظر إلى الإصدارات الحديثة من معايير المحاسبة الدولية سنجد انها تتجه بشكل كلى إلى تبنى القيمة العادلة في القياس المحاسبي.
ثالثا:إن تطور المؤسسات المالية الإسلامية يحتاج إلى محاسبة أخرى غير المحاسبة الدولية
إن تطور المؤسسات المالية الإسلامية والاعتقاد المتزايد بأن الافتراضات التي تقوم عليها نظم المحاسبة المالية الغربية غير متوافقة مع المعتقدات والقيم الإسلامية قد ساهمت في تطوير البحوث المحاسبية الإسلامية وتقارير الشركات الإسلامية. وقد وصف باحثو المحاسبة الإسلامية البيانات المالية المستخدمة حاليا في جميع أنحاء العالم كبيانات المحاسبة المالية الغربية  ، ودعوا إلى وضع معايير المحاسبة الإسلامية Rahman, 2007). فبعض أنشطة المؤسسات المالية الإسلامية مثل المرابحة والمضاربة والايجارة والمشاركة والمساقاة والبيوع النقدية والآجلة والتي تتميز بها عن المؤسسات المالية التقليدية، وكذلك  فيما يتعلق بقياس الدخل وتقييم الأصول   (Velayutham,2014)لكن بيدو أن هذا لا يتطلب نظاما جديدا للإبلاغ المالي ،إذ تعترف سلطات وضع المعايير بالاحتياجات المختلفة لمختلف الصناعات، وقد وضعت أحيانا معايير محددة للصناعات. وستكون المؤسسات المالية الإسلامية واحدة من هذه المؤسسات. ولتحقيق هذه الغاية، أنشأت الصناعة المصرفية الإسلامية هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية(أيوفي) في عام 1991 (Maurer, 2010).
  رابعا: قيام المعايير الدولية على أساس النظام الضريبي وفوائد الديون
يقول Enderle,2003  إن "غالبية البشر يلتزمون بأديان العالم، التي توفر ثروة من الموارد الأخلاقية". ووفقا للإسلام، الذي هو أحد الأديان الرئيسية في العالم ، "الناس مسؤولون أمام الله، وسلوكهم وأفعالهم في هذه الحياة سوف تؤثر على معاملتهم في الآخرة" (Tsalikis&Lassar, 2009 )  ويعتقد المسلمون أن القرآن (الكتاب المقدس للإسلام) والسنة (أقوال وأفعال النبي محمد) يقدم إجابات على جميع الأسئلة (Rice, 2006).  وتتناول الشريعة على وجه التحديد الزكاة والخدمات المصرفية بدون فوائد. الزكاة تنبع من القيمة الجماعية التي هي جزء من الدين الإسلامي. وتعني الزكاة تطهير النفس من الجشع بمجرد الحصول على مستوى معين من الثروة. وعدم التمسك بأكثر من مبلغ معين من الثروة، وما يزيد فإنه سيتم تقاسمها بين المجتمع الفقراء والأقل حظا. والسبب الأساسي وراء الخدمات المصرفية الخالية من الفائدة هو أيضا تشجيع تنمية المحرومين والخروج من التوزيع غير المتكافئ للثروة، فدفع الفائدة على القرض يعيق المحتاجين ويجعل الأغنياء، الأغنى، وهو أمر غير مقبول في ظل الإسلام(Rahman, 2007).  والسؤال المطروح هو ما إذا كان ينبغي توفير هذه المعلومات من قبل النظام المحاسبي للفرد أو المنظمة، أو ينبغي تغيير التقارير المالية للأغراض العامة للاضطلاع بهذا الدور، ويبدو أن دفع الزكاة يبدو أشبه بالضرائب في السياق الغربي. وتوفر نظم "المحاسبة التقليدية" الحالية أساسا ليس فقط لإعداد التقارير المالية العامة الغرض، وإنما أيضا إعداد التقارير المحاسبية الإدارية وإعداد الإقرارات الضريبية وإرساء المساءلة عن الأصول والمعاملات. ومع ذلك، فإن احتساب الضريبة يتطلب قياسا مختلفا مما ينطبق على الزكاة. لذلك يبدو أن النظام المحاسبي التقليدي ينبغي أن يكون قادرا على توفير البيانات اللازمة لحساب الزكاة إذا قام باحثو المحاسبة الإسلامية بوضع ورقة نموذجية مماثلة للإقرارات الضريبية لمساعدة المسلمين في حساب الزكاة والبيانات التي يمكن استخراجها من السجلات محاسبية.ويتعين طرح السؤال حول ما إذا كانت هناك حاجة لتغيير تعريف المحاسبة من منظور إسلامي. وكما أبرزنا سابقا، فإن السمة الرئيسية للتعريف القائم على منظور إسلامي تشمل معايير المعاملات المشروعة. أود القول بأن معايير الشرعية مضمنة في التعريف الحالي للمحاسبة. ولا تشمل البيانات المالية المنتجة في العديد من الاقتصاديات و المعاملات غير المشروعة، ويبدو أن الأنشطة التي تعتبر غير شرعية في البلدان الإسلامية التي تعتمد الشريعة الإسلامية لن تدرج في البيانات المالية لأنها غير قانونية. أما في البلدان ذات النظام القانوني المختلط، فتقدم للبنوك التقليدية والمصارف الإسلامية، فإن الفائدة ستكون قانونية بالنسبة للبنوك التقليدية وليس الإسلامية(Velayutham,2014).
خامسا:إن التناقض بين القيم الإسلامية ومعايير المحاسبة يعيق التوافق المحاسبي الدولي
  إن الدين كعامل ثقافي مقبول وله تأثير على سلوكيات الأفراد إلا أن حظه من الدراسة العلمية قليل مما يبعث على الغرابة، أنه لم يستكشف بعمق تأثيره على تطوير الهياكل الإدارية والأعمال التجارية. فالدين يتمتع  بقدره كامنة على  القبول عالميا و داخل الحدود الوطنية ولكن يصعب تجاوزه. وهو عامل معقد، فمن المرجح أن يربك كما هو الحال في توضيح التحليلات القائمة على الخصائص الوطنية للسكان الأصليين. ولقد قيل القليل عن عواقب تناقض الأساس الديني والفلسفي الأساسي للمجتمعات ذات التقاليد اليهودية المسيحية من جهة، وتلك التي لها تقاليد مختلفة من جهة أخرى. ومع ذلك فهذه مسائل ينبغي معالجتها قبل إحداث التوافق المحاسبي(أو نقل واعتماد الأساليب المحاسبية والمفاهيم الأساسية على الدول التي لا يسود فيها اليهودية والمسيحية). مع ذلك كان السعي نحو إحداث  التوافق المحاسبي بقرارات سياسية  أكثر من السعي إلى إحداث تغيير في الفلسفات الأساسية في البلدان التي لا تسود فيها  اليهودية المسيحية، وبما أن هذه البلدان لديها أغلبية من السكان المسلمين، Hamid et al. (1993) فالإسلام قد يعيق مواءمة المعايير المحاسبية الدولية، حيث أن هذه المعايير تضعها الدول الغربية، ثم تشير الدراسة إلى أن الدين قد يكون أحد العوامل الثقافية التي تؤثر على الإنفاذ/ الإلزام المحاسبي cultural factors affecting accounting enforcement في جميع أنحاء العالم على الرغم من أنه من الصعب عزل الدين الإسلامي عن عوامل ثقافية أخرى في سياق الشرق الأوسط نظرا للطبيعة الشاملة التي تتبناها (Hamid et al.  1993).

  ويعتقد (Baydoun& Willett 1995)   أن النظم المحاسبية في الدول العربية تتأثر بالممارسات المحاسبية الغربية من خلال الاستعمار الماضي، ووجود الشركات الغربية متعددة الجنسيات في الاقتصاديات العربية، وتأثير الجمعيات المهنية المحلية، وأخيرا تأثير المنشأت التكنولوجية الجديدة ومقرها حاليا في الدول الصناعية.  فقد أشارت دراسة Askary et al.,2008 إلى أن العوامل الثقافية تؤثر في التنمية المحاسبية عموما في الدول العربية ذات الأغلبية المسلمة والتوافق المحاسبي بشكل خاص. وتبين الدراسة أيضا أن الممارسة المحاسبية في المملكة العربية السعودية أقل صرامة من حيث التوافق بالمقارنة مع البلدان العربية الأخرى. ويري الباحث معايير التقارير المالية الدولية IFRS بنيت على مدخل المبادئ وهو مدخل يعتمد على سلوك معدي التقارير المالية ومراجعيها ومن ثم يحتاج إلى التزام اكبر بالسلوك الأخلاقي من قبل المحاسبين والمراجعين ، ويعتبر الالتزام بالدين الإسلامي من اكبر العوامل التي تحث على الالتزام الأخلاقي، فقد استهدفت دراسة  Uyar,2015  فحص تأثير النظريات الأخلاقية والتدين والأقدمية على الوعي الأخلاقي للمحاسبين. من خلال استبيان أجراه 219 محاسبا في مواقع مختلفة في تركيا وأشارت النتائج إلى أن الأقدمية في المهنة والتدين لها تأثير إيجابي على الوعي الأخلاقي، في حين الأنانية لديها سلبية.
  وخلاصة ما سبق يرى الباحث إن الدمج بين معايير المحاسبة والمراجعة الدولية وهى معايير عالية الجودة مع معايير المحاسبة للمؤسسات المالية الإسلامية يخلق نسيجا مختلفا للنظام المحاسبي القابل للتطبيق المتدرج بسهولة ويسر مع إمكانية الاستفادة من الممارسات والأساليب عالية الجودة في المعايير الدولية، فعند قيام هيئة المحاسبة والمراجعة الإسلامية اعتمدت على منهجية وخطوات إصدار المعايير المتبعة من قبل مجلس معايير المحاسبة الدولية سواء عند إصدار المعايير الشرعية أو معايير المحاسبة والمراجعة والحوكمه والأخلاقيات مما يدل على مدى جودة النظام المطبق في المؤسسات الدولية والتي يجب الاستفادة منه، فالحكمة ضالة المؤمن.و أن التحول إلى معايير محاسبية إسلامية خالصة لا يرتبط بالمحاسبة بقدر ما يرتبط بالنظام الاقتصادي والسياسي والقانوني السائد في المجتمع، فإذا تبنت الدولة نظام اقتصادي وسياسي وقانوني قائم على أساس إسلامي ففي هذا الوقت يجب تنقية معايير المحاسبة الدولية من اى مخالفات، إما إذا ظل الوضع كما هو قائم فان التكامل بين معايير المحاسبة  للمؤسسات المالية الإسلامية وبين المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية هو أفضل وضع ممكن.
لاحظ: هذه الورقه البحثية مجرد اطارا عاما مطروحا للمناقشه والجدل والاضافه والتطوير والتفصيل  وبالتالى قد تتطلب المزيد من البحث والدراسة

إن مرت الايام ولم تروني فهذه مشاركاتي فـتذكروني ، وان غبت ولم تجدوني أكون وقتها بحاجة للدعاء فادعولي

قائمة المراجع
سامر مظهر قنطقجى،2003، دور الحضارة الإسلامية في تطوير الفكر المحاسبي" رسالة دكتوراه- جامعة حلب متاحة على http://www.kantakji.com
 محمد احمد العسيلي,"دراسة تحليله مقارنه لاليات تحقيق التقارب بين معايير المحاسبة المالية القومية ومعايير المحاسبة الدولية في مناطق التأثير المحاسبي على النظم المحاسبية الدولية_(الولايات المتحدة والمملكة المتحدة)ومناطق التأثر المحاسبي_(جمهوريه الصين وجمهوريه مصر العربية)"مجله المحاسبة والإدارة والتامين,كليه التجارة – جامعه القاهرة,العدد الواحد والسبعون,2008.
Enderle,G. (2003)"Do we need religious resources for business ethics?”, Latin American Business Review ,Vol. 4 No. 4  
Rice, G. (2006), “Pro-environmental behavior in Egypt: is there a role for Islamic environmental ethics?”, Journal of Business Ethics , Vol. 65 No. 4, pp. 373-390. 
Tsalikis, J. and Lassar, W. (2009), “Measuring consumer perceptions of business ethical behavior in two Muslim countries”, Journal of Business Ethics , Vol. 89 No. 1,  
Ali Uyar, Cemil Kuzey, Ali Haydar Güngörmüs, Ruth Alas, (2015) "Influence of theory, seniority, and religiosity on the ethical awareness of accountants", Social Responsibility Journal, Vol. 11 Issue: 3, pp.590-604
Rahman, S. (2007), “Islamic accounting standards”, available at: www.jps-dir.com    
Saeed Askary, James S. Pounder, Hassan Yazdifar, (2008) "Influence of culture on accounting uniformity among Arabic nations", Education, Business and Society: Contemporary Middle Eastern Issues, Vol. 1 Issue: 2, pp.145-154, 
Moid ,Sana,2016" A Theoretical Construct of the Impact of
Religious Beliefs on Accounting Practices in the Indian and Global Context" NMIMS Management Review Volume August  
Laughlin, R., (1988), “Accounting in its Social Context. An Analysis of the Accounting Systems of the Church of England”, Accounting, Auditing & Accountability Journal, 1(2), 19–42.
Rothstein, B. and Broms, R., (2013). Governing religion: The long-term effects of sacred financing. Journal of Institutional Economics 9(04): 469–490.
 Said, Edward .W. (2003), Orientalism, Penguin (first published in 1978), London. 
Peter A Aghimien
, (2016) "Development of accounting standards in selected Middle Eastern countries in comparison to the United States of America", Review of International Business and Strategy, Vol. 26 Issue: 1, pp.69-87, 
Maurer, B. (2010), “Form versus substance: AAOIFI projects and Islamic fundamentals in the case of Sukuk ”, Journal of Islamic Accounting and Business Research, Vol. 1 No. 1.  
Baydoun, N., & Willett, R. (2000). Islamic Corporate Reports. Abacus, 36, 71-90.
Hamid, S., Craig, R. and Clarke, F. (1993), “Religion: a confounding cultural element in the international harmonization of accounting?”, ABACUS, Vol. 29 No. 2,   
Baydoun,N&Willett,R. (1995),Cultural relevance of western accounting systems to Arab countries”, ABACUS, Vol 31 No1
Sivakumar Velayutham, (2014) "“Conventional” accounting vs “Islamic” accounting: the debate revisited", Journal of Islamic Accounting and Business Research, Vol. 5 Issue: 2,
Hamid, S., Craig, R., & Clarke, F. (1993). Religion: A Confounding Cultural Element in the International Harmonization of Accounting? Abacus, 29, 131-148
White, Lynn Spellman,2004" The Influence of Religion on the Globalization of Accounting Standards" https://www.google.com.eg/