الجمعة، 21 فبراير 2014

دور القيم المجتمعية في المفاضلة بين مدخل القواعد ومدخل المبادئ في إعداد معايير المحاسبة المالية




    إذا كانت المحاسبة علما اجتماعيا يتفاعل من التغيرات والمستجدات التى تحدث فى المجتمع  فكان لابد ان تتطور المحاسبة مع التغيرات التى تحدث ، ولما كانت تساهم نظرية المحاسبة  في ترشيد التطبيق المهني للمحاسبة عن طريق إرساء المبادئ العلمية المتعلقة بتحديد أسس القياس، وعرض العمليات المالية، فتكون الخطوة التالية لترجمة هذه المبادئ إلي تطبيق عملي إنما يتم عن طريق إصدار المعايير المحاسبية .
 وأوضحت الكثير من الدراسات  ان عملية وضع المعايير الدولية أو الأمريكية أو أي مجموعة أخري من المعايير المحاسبية  هي عملية تتصف بالمراوغة والتقلب وتؤثر فيها عوامل بيئية عديدة وبالتالي فان العملية توضح الأسباب التي تدفع إلي الاعتماد علي المبادئ مع بعض القواعد الإرشادية أو الإفراط في استخدام القواعد.

   وهناك مدخلين يمكن من خلالهما إعداد المعايير وتبدأ من اطار فكري يضع أساسيات المحاسبة في شكل أهداف ومفاهيم ثم تشتق منه  المعايير المحاسبية  والمدخلان هما:
أولا:المعايير القائمة على أساس المفاهيم أو المبادئ Concept – based standard  :عبارة عن عملية وضع المعايير المحاسبية اعتماداً على مجموعة من المفاهيم القائمة على أساس مجموعة من التعريفات الاقتصادية العامة والتي تتيح للممارس استخدام الحكم الشخصي لمعالجة الأحداث الاقتصادية حسب جوهر هذه الأحداث .
ثانيا:المعايير القائمة على أساس القواعد Rule – Based Standard  : وهى عبارة عن عملية وضع المعايير اعتماداً على مجموعة من القواعد الصارمة والبالغة الحسم التي تعطى شرحاً تفصيلياً بالإجراءات والخطوات التي يجب أن يتم تطبيقها لمعالجة الحدث الاقتصادي دون السماح بالحياد عن هذه القواعد أو وجود اى قدر من الحكم الشخصي والتقدير المهني .

     ومما لا شك فيه ان للعوامل البيئية المختلفة تأثير فى اختيار المدخل الملائم فى إعداد المعايير المحاسبية,وإذا كانت العوامل الثقافية من أكثر العوامل البيئية أهميه فى التأثير على النظم والممارسات المحاسبية فان الباحث سيختار  القيم المجتمعية كأحد العوامل الثقافية فى هذا البحث.

  و  تعتبر دراسة Hofsted الدراسة الرائدة حول أبعاد القيم المجتمعية و تأثيراتها ، حيث تعتبر نقطة ارتكاز أطلق منها اهتمام جاد في الفكر المحاسبي لمدى تأثير تلك الأبعاد على الأنظمة و الممارسات المحاسبية .و لقد خلص "هوفستد" إلى تحديد أربع أبعاد للقيم المجتمعية هي:

أ) الفردية مقابل الجماعية: تمثل الفردية اهتمام الأفراد بمصالحهم الشخصية و مصالح أسرهم فقط  ، أما الجماعية  فينتظر فيه الأفراد من ذويهم أو الأفراد المنتمين لمجموعتهم الاهتمام بمصالحهم مقابل الولاء اللامحدود .

  ويرى الباحث  ان المجتمعات التى يسود فيها الفردية تفضل استقلالية الفرد واحترام المبادرات الفردية ومن ثم يحبذ المجتمع ان يتم إصدار معايير المحاسبة  متضمنة مبادئ القياس والتقدير المحاسبي للعمليات الاقتصادية ، بمعنى يناسب تلك المجتمعات مدخل المبادئ
   فى حين المجتمعات التى يسود فيها الجماعية ستفضل ان يتم إصدار المعايير المحاسبية في صورة قواعد محددة للتطبيق   في الواقع العملي بمعنى تفضل مدخل القواعد فى بناء معايير المحاسبة .

ب) التفاوت الكبير مقابل التفاوت الصغير في السلطة: يعبر عن مدى قبول أفراد المجتمع لعدم المساواة في توزيع السلطة في المؤسسات و المنظمات، و هو يؤثر على طريقة تكوين المؤسسات في الدول.

   ويرى الباحث  ان المجتمعات التى يسود فيها   التفاوت الكبير فى السلطة  يقبل المجتمع فيها  هيكلا هرميا للسلطة ولا يكافح فيها الافراد من جل المساواة وبالتالى تفرض عليهم قواعد وقوانين  لتنظيم شئون حياتهم ، ومن ثم فالمدخل الملائم فى بناء المعايير هو مدخل القواعد.
  فى حين المجتمعات التى يسود فيها  التفاوت الصغير فى السلطة  وفيها يكافح الافراد من اجل المساواة  فى السلطة، وفى الحقوق والواجبات ومن ثم يحبذ المجتمع ان يتم إصدار معايير المحاسبة  متضمنة مبادئ القياس والتقدير المحاسبي للعمليات الاقتصادية ، بمعنى يناسب تلك المجتمعات مدخل المبادئ

ج) التجنب القوي مقابل التجنب الضعيف لعدم التأكد: يعبر عن  درجة شعور الأفراد بعدم الراحة اتجاه الغموض و عدم التأكد، و يتعلق هذا البعد بالكيفية التي يتعامل بها المجتمع مع حقيقة أن المستقبل مجهول و ما إذا كان المجتمع يحاول السيطرة على المستقبل أم يتركه ليحدث على أي نحو.

  ويرى الباحث  ان المجتمعات التى يسود فيها التجنب الضعيف لعدم التأكد  تتسم أكثر بالمرونة وعدم التقيد الدقيق بالقواعد والقوانين ومن ثم يحبذ المجتمع ان يتم إصدار معايير المحاسبة  متضمنة مبادئ القياس والتقدير المحاسبي للعمليات الاقتصادية ، بمعنى يناسب تلك المجتمعات مدخل المبادئ
فى حين المجتمعات التى يسود التجنب الكبير لعدم التأكد تكون مقيده بشكل كبير بالقوانين والقواعد والإجراءات  ومن ثم  ستفضل ان يتم إصدار المعايير المحاسبية في صورة قواعد محددة للتطبيق   في الواقع العملي بمعنى تفضل مدخل القواعد فى بناء معايير المحاسبة .

د) القيم المادية مقابل القيم المعنوية:  تتمثل القيم المادية في تفضيل المجتمع لتقييم الأفراد على أساس و البطولات و الإصرار و النجاح المادي، و على العكس فإن القيم المعنوية تمثل تفضيل المجتمع للاعتدال و الاهتمام بالضعفاء و مساعدة الآخرين و وضع العلاقات في مستوى أعلى من الاعتبارات المادية.

  ويرى الباحث  ان المجتمعات التى يسود  القيم المادية  يميل الافراد فيها الى تحقيق النجاح وتحقيق انجازات شخصيه  سريعة ، ومن ثم يحبذ المجتمع ان يتم إصدار معايير المحاسبة  متضمنة مبادئ القياس والتقدير المحاسبي للعمليات الاقتصادية ، بمعنى يناسب تلك المجتمعات مدخل المبادئ
فى حين المجتمعات التى يسود فيها  القيم المعنوية ستفضل ان يتم إصدار المعايير المحاسبية في صورة قواعد محددة للتطبيق   في الواقع العملي بمعنى تفضل مدخل القواعد فى بناء معايير المحاسبة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق